“في زمن الحروب، لا يُقتل الإنسان فقط بالجسد، بل تُقتل روحه حين يُنسى في هامش الوجود، حيث يصبح الصمت صوتًا أعلى من أصوات البنادق.”
تحت سقف السماء المهدوم، حيث تصرخ الأرض ولكن لا يسمعها أحد، يتجلى المهمشون ضحايا الحروب كظلال محطمة تشيخ قبل أوانها، إنهم ليسوا أرقامًا في تقارير مكدسة أو صورًا تمر سريعًا على شاشات التلفاز، بل فجوة الوجود التي تخترق نسيج التاريخ، وبؤرة الألم التي لا تهدأ في عالم يختنق بالدمار، كما أنهم ذلك الصمت الذي لا يحتمل صخب البنادق، والغياب الذي يحضر بقوة في كل خلية من خلايا الحياة.
يقول هايدغر إن ” الانسان او الوجود نحو الموت”، لكن هؤلاء المهمشين يواجهون موتًا مستمرًا، موتًا لا يُحتمل، ليس فقط في فقدان الحياة، بل في فقدان الذات، في فقدان العالم الذي كان يجب أن يحتضنهم، فالحرب تحرر الموت في وجوههم، لكنها تسجن الوجود في هامش لا يرى ولا يسمع. صاروا غرباء في هذا العالم، يتوهون في صحراء إنسانية بلا حدود.
سارتر رأى أن “الجحيم هو الآخرون”، وهنا في زمن الحرب، يصبح الآخرون آلة سحقٍ متواصلة، يجعلون من الوجوه الناظرة إليهم مرآة مأساة بلا تعزية، حيث تتفتت العلاقة الإنسانية إلى شظايا من العدم، فالمهمشون ضحايا العنف، وضحايا العزلة الوجودية التي تخلقها الحرب، حيث يصبحون في غربة عن الذات وعن الآخر، بلا وطن أو هوية، كائنات تحوم بين أطلال الوجود.
هكذا، لا تكون الحروب سوى ظلال قاتمة على فسيفساء الحياة، تُنزع منها ألوان الأمل، وتُفرغ من معاني العدالة والكرامة…، كما قال فوكو: “السلطة تولد المعرفة، والهيمنة تولد المقاومة”، لكن المهمشين ضحايا الحروب يحملون المقاومة في صمتهم، في جراحهم التي ترفض أن تُنسى، في نضالهم الباطني ضد أن تُقلب الحقيقة إلى تاريخ يُروى على حسابهم.
هؤلاء المهمشون، في هامش الزمن، يشكلون الصرخة المعلقة التي يرفض العالم سماعها، هم السؤال الذي يرفض التاريخ الإجابة عليه، الكيان الذي يعكس عجز الإنسان عن إتمام ذاته في عالم يشوهه العنف، فيهم تنكشف مأساة الوجود الإنساني: كيف نستمر في البناء إذا كان الأساس هشًا؟ كيف نُعلن عن السلام بينما ندفن أجسادًا في صمت الحروب؟
وفي الأخير، تظل صورتهم محفورة في عمق الذاكرة الإنسانية، كوصمة تذكرنا بأن الحروب لا تُقاس بانتصارات الجيوش أو توقيع المعاهدات، بل بمعاناة من يُتركوا في الظل، الذين هم في حقيقة الأمر، الوجه الحقيقي لكل نزاع، مرآة الإنسانية التي لا تعرف الغفران.
اترك تعليقاً