كيف يؤثر صندوق النقد الدولي في سياسات الدول النامية والفقيرة ؟

لا تقل لي ما هي أولوياتك، بل أرني أين أنفقت مالك وسأقول لك ما هي تلك الأولويات.

جيمس فريك كاتب أمريكي

عندما نتحدث عن كيف يفرض صندوق النقد الدولي (INTERNATIONAL MONETARY FUND) سياسته على الدول، نجد أن هذا الأمر يتم عبر مجموعة من الآليات والميكانزمات التي تمتد على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ويعتبر الصندوق النقدي الدولي منظمة دولية تأسست في عام 1944 تهدف إلى تعزيز الاستقرار النقدي وتحفيز النمو الاقتصادي في الدول الأعضاء (190 عضو)، ولكن لتحقيق هذه الأهداف، يتعين على الدول تبني سياسات اقتصادية ومالية تتفق مع توجيهات الصندوق.

أحد الأساليب التي يستخدمها الصندوق لفرض سياسته هي توقيع اتفاقيات برامج الإصلاح الاقتصادي (الإصلاحات الهيكلية) مع الدول المستفيدة. يتضمن ذلك التفاوض على شروط وإصلاحات اقتصادية محددة يجب أن تنفذها الدول لتحقيق الاستقرار المالي والنمو، هذه الشروط غالبًا ما تشمل:

تقليص الإنفاق الحكومي: يفرض الصندوق تقليصًا للإنفاق الحكومي كجزء من إجراءات التقشف في القطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة والتوظيف العمومي، بهدف تحسين التوازن المالي للدولة المستفيدة.

تحسين السياسات النقدية والمالية: يشمل ذلك تحسين سياسات البنك المركزي والتحكم في التضخم، مما يساهم في تحقيق استقرار اقتصاد الدولة.

تحفيز القطاع الخاص: يشجع الصندوق على إجراء إصلاحات هيكلية تعزز الاستثمار وتحفز نمو القطاع الخاص وخاصة في القطاعات الاجتماعية الأساسية (التعليم، الصحة…).

تعتبر الشروط التي يفرضها الصندوق أداة لتحقيق أهدافه في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتقويض المخاطر المالية، ومع ذلك، يثير هذا النهج قضايا حول فقدان السيادة الوطنية، حيث يجب على الدول المستفيدة التنازل عن بعض من قراراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للحصول على الدعم المالي.

من جهة أخرى، يشكك مجموعة من الباحثين في فعالية تلك الإصلاحات ويعتبر أنها قد تؤثر بشكل سلبي على الحياة اليومية للمواطنين، فتقليص الإنفاق الحكومي قد يؤدي إلى انقطاع الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية، مما يؤثر على الطبقات الوسطى والفقيرة والهشة في المجتمع.

علاوة على ذلك، يتساءل الكثير (المثقفون، سياسيون، مواطنون…) عن مدى ملاءمة السياسات المفروضة من الصندوق للسياقات الوطنية المتنوعة، فقد تكون الإصلاحات غير مناسبة للثقافة والاقتصاد الخاص بالدول النامية والفقيرة، مما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من حلها.

هناك العديد من الحالات التي شهدت صعوبات في تنفيذ “إصلاحات” صندوق النقد الدولي، وتعبر هذه الحالات عن فشل سياسات صندوق النقد الدولي في تحقيق أهداف الإصلاح، مما كبد العديد من الدول تكاليف اقتصادية وسياسية واجتماعية باهضة. من بين هذه الحالات نجد :

كوريا الجنوبية (1997): في عام 1997، تعرضت كوريا الجنوبية لأزمة مالية خانقة، ولجأت إلى الصندوق النقدي الدولي والبنك الدولي للحصول على دعم. تم تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي، ولكن البلاد شهدت تراجعًا حادًا في النشاط الاقتصادي وزيادة في معدلات البطالة. بعض النقاد يرون أن التدابير التقشفية والتحرر الاقتصادي قد تسببت في تفاقم الأزمة.

روسيا (1998): بعد الأزمة المالية في عام 1998، تلقت روسيا دعمًا من الصندوق النقدي الدولي. ومع أن الإصلاحات الاقتصادية تم تنفيذها، إلا أنها لم تحقق النتائج المأمولة، وشهدت البلاد استمرارًا في التدهور الاقتصادي وزيادة في الفقر.

الأرجنتين (2001): في عام 2001، تلقت الأرجنتين دعمًا ماليًا من الصندوق النقدي الدولي وتنفيذًا لبرنامج اصلاح اقتصادي. ومع ذلك، انهار الاقتصاد الأرجنتيني بشكل كبير، وشهدت البلاد أزمة اقتصادية خانقة وانخفاضًا حادًا في مستوى المعيشة. وارتبط هذا الفشل بالتدابير الصارمة التي فرضها الصندوق، مثل زيادة الفائدة وتقليص الإنفاق الحكومي على القطاعات الاجتماعية.

اليونان (2010): عانت اليونان من أزمة ديون خانقة ولجأت إلى الصندوق النقدي الدولي والاتحاد الأوروبي للحصول على دعم. تم تنفيذ برامج إصلاح اقتصادي لتحسين الاستدامة المالية، ولكن شهدت اليونان احتجاجات واضطرابات اجتماعية نتيجة لتدابير التقشف الصارمة، وظلت التحديات الاقتصادية قائمة لفترة طويلة.

تظهر هذه الحالات كيف أن تنفيذ إصلاحات الصندوق النقدي يتسبب في تأثيرات سلبية على الاقتصادات الوطنية، كما يبدو أن الصندوق النقدي الدولي يلعب دورًا سلبيا في توجيه السياسات الاقتصادية للدول النامية والفقيرة، لأنه يسعى إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي على حساب ضمان استمرارية الرعاية الاجتماعية (الصحة والتعليم والتشغيل…) وحقوق الإنسان.